بطلان وخذلان أي رابطة غير رابطة الإسلام
والآن -والحمد لله- صارت القومية العربية في حالة احتضار، ولا نأسف عليها، ونتعجب عندما نجد من يكتب ويتأسف عليها، وبعضهم يكتب ويتأسف على الجامعة العربية؛ لأنها لم تقم بأي دور، ونقول: فلتمت الجامعة العربية، ولتذهب إلى غير رجعة، فلا نريدها، وليمت كل اسم غير الإسلام، فعلينا أن نكون أمة مسلمة فقط، فمن أين أخذنا هذه المصطلحات، وهذه القوميات، وهذه العنصريات، وهذه الجاهليات، وهذه الولاءات؟ إنها من غير الإسلام، فكلها يجب أن تموت، وكلها يجب أن تلغى.وقد أفاق المسلمون -والحمد لله- إلى حد كبير، فما حدث في أفغانستان ، أو في الفلبين ، أو في البوسنة و الهرسك أو غيرها؛ المسلمين يشعرون بضرورة الولاء الإسلامي، وأن تكون العقيدة هي الرابطة، فالكل اشتركوا وجاهدوا، ودعموا إخوانهم بالمال، والدعاء، وكلهم مع إخوانهم المسلمين في كشمير ، وفي أفغانستان ، وفي البوسنة ، وفي أي مكان، فهذه المصائب وهذه المحن جعلت المسلمين يشعرون بأنهم أمة واحدة: واحدة في آمالها، وواحدة في آلامها؛ لأنها واحدة في عقيدتها، وفي قبلتها، وفي كتابها، وفي سنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وفي كل الأواصر، والروابط، والتاريخ المشترك كما يسمونه.بل في الحقيقة ليس هناك تاريخ أعظم من تاريخ المسلمين؛ لأن التاريخ الإسلامي يبدأ بآدم ويمر بنوح وإبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى وداود، ولوط وشعيب و صالح و هود عليهم السلام، فكل هذا من التاريخ الإسلامي، لا توجد أمة هي أوغل أو أعمق في التاريخ من هذه الأمة والحمد لله؛ لأنها فوق كل القوميات، والعنصريات، والعصبيات، وفوق الفخر بالحجارة والطين، كما بعضهم بالأهرامات، وبعضهم بحدائق بابل، وبعضهم بمدائن صالح. وأما نحن فنفخر، ونعتز بالانتماء إلى ركب الإيمان، وإلى ركب الأنبياء، وإلى الذي بنى هذا البيت: (( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ))[آل عمران:96-97]، فهذا هو البناء الذي يجمعنا، والذي نفتخر به، فنعتز -والحمد لله- ونفتخر بالعبودية لله باستقبالنا لهذا البيت الذي بناه أنبياء الله، وحجه أنبياء الله، فهذه هي حضارتنا وآثارنا التي نفتخر بها، وهذا هو انتماؤنا الذي نفتخر به، وما عدا ذلك فكلها جاهليات، وعصبيات ممقوتة مذمومة، وقد جاء الإسلام لحربها، وللقضاء عليها، ويكفيها أنها عادات جاهلية، كما سماها الله تعالى، وسماها رسوله صلى الله عليه وسلم.فهناك أنواع المفاضلات قد ظهرت، وبعض هذه المفاضلات إما أن يكون جاهلياً أو فيه شعبة من الجاهلية.وأما المسألة التي ذكرها الشيخ هنا فهي مسألة علمية ذكرها المتأخرون، وسنأتي -إن شاء الله- على تفصيل الكلام فيها وهي: التفضيل بين الفقير الصابر والغني الشاكر. هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.